معرفة توجيه القراءات وتبيين وجه ما ذهب إليه كل قارئ

البرهان في علوم القرآن ، الجزء : 1 ، الصفحة : 488 عدد الزيارات: 15861 طباعة المقال أرسل لصديق

النوع الثالث والعشرون معرفة توجيه القراءات وتبيين وجه ما ذهب إليه كل قارئ وهو فن جليل ، وبه تعرف جلالة المعاني وجزالتها ، وقد اعتنى الأئمة به ، وأفردوا فيه كتبا منها : كتاب " الحجة " لأبي علي الفارسي ، وكتاب " الكشف " لمكي ، وكتاب " الهداية " للمهدوي ، وكل منها قد اشتمل على فوائد .
وقد صنفوا أيضا في توجيه القراءات الشواذ ، ومن أحسنها كتاب " المحتسب " لابن جني ، وكتاب أبي البقاء وغيرهما .
وفائدته كما قال الكواشي : أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه ، أو مرجحا ، إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء ، وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى ، وهذا غير مرضي ; لأن كلتيهما متواترة ، وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب " اليواقيت " عن ثعلب أنه قال : إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن ، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ; وهو حسن " .
وقال أبو جعفر النحاس - وقد حكى اختلافهم في ترجيح ( فك رقبة ) ( البلد : 13 ) بالمصدرية والفعلية - فقال : والديانة تحظر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة ، ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف فهما قراءتان حسنتان ، لا يجوز أن تقدم إحداهما على الأخرى .
وقال في سورة " المزمل " : " السلامة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال : أحدهما أجود ; لأنهما جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأثم من قال ذلك ، وكان رؤساء الصحابة - رضي الله عنهم - ينكرون مثل هذا " .
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة - رحمه الله - : " قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة : ( ملك ) ، و ( مالك ) ( الفاتحة : 4 ) حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى ; وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين ، واتصاف الرب تعالى بهما ، ثم قال : حتى إني أصلي بهذه في ركعة ، وبهذه في ركعة " .
وقال صاحب " التحرير " - وقد ذكر التوجيه في قراءة : ( وعدنا ) ، و ( واعدنا ) ( البقرة : 51 ) - : " لا وجه للترجيح بين بعض القراءات السبع وبعض في مشهور كتب الأئمة من المفسرين والقراء والنحويين ، وليس ذلك راجعا إلى الطريق حتى يأتي هذا القول ; بل مرجعه بكثرة الاستعمال في اللغة والقرآن ، أو ظهور المعنى بالنسبة إلى ذلك المقام " .
وحاصله : أن القارئ يختار رواية هذه القراءة على رواية غيرها ، أو نحو ذلك ; وقد تجرأ بعضهم على قراءة الجمهور في : ( فنادته الملائكة ) ( آل عمران : 39 ) فقال : أكره التأنيث ; لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية في زعمها أن الملائكة إناث ; وكذلك كره بعضهم قراءة من قرأ بغير تاء ; لأن الملائكة جمع .
وهذا كله ليس بجيد ، والقراءتان متواترتان ; فلا ينبغي أن ترد إحداهما البتة ، وفي قراءة عبد الله فناداه جبريل ما يؤيد أن الملائكة مراد به الواحد .